شهد الله أنه المتفرد بالإلهية، وقَرَنَ شهادته بشهادة الملائكة وأهل العلم، على أجلِّ مشهود عليه، وهو توحيده تعالى وقيامه بالعدل، لا إله إلا هو العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، الحكيم في أقواله وأفعاله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«شهد الله» بيَّن لخلقه بالدلائل والآيات «أنه لا إله» أي لا معبود في الوجود بحق «إلا هو و» شهد بذلك «الملائكةُ» بالإقرار «وأولوا العلم» من الأنبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ «قائماً» بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد «بالقسط» بالعدل «لا إله إلا هو» كرره تأكيدا «العزيز» في ملكه «الحكيم» في صنعه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا تقرير من الله تعالى للتوحيد بأعظم الطرق الموجبة له، وهي شهادته تعالى وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم، أما شهادته تعالى فيما أقامه من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، فنوع الأدلة في الآفاق والأنفس على هذا الأصل العظيم، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه ما قام أحد بتوحيده إلا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد، وكذلك إنعامه العظيم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، والخلق كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لأنفسهم ولغيرهم، ففي هذا برهان قاطع على وجوب التوحيد وبطلان الشرك، وأما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها بإخبار الله لنا بذلك وإخبار رسله، وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم المرجع في جميع الأمور الدينية خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه، فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به، وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من أولي العلم. وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة، منها: أن الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس، ومنها: أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا، ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته، ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه، ولما قرر توحيده قرر عدله، فقال: قائمًا بالقسط أي: لم يزل متصفا بالقسط في أفعاله وتدبيره بين عباده، فهو على صراط مستقيم في ما أمر به ونهى عنه، وفيما خلقه وقدره، ثم أعاد تقرير توحيده فقال لا إله إلا هو العزيز الحكيم واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره، ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه، وأما الأدلة العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للأمور فقد أرشد القرآن إليها ونبه على كثير منها، فمن أعظمها: الاعتراف بربوبية الله، فإن من عرف أنه هو الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور أنتج له ذلك أنه هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولما كان هذا من أوضح الأشياء وأعظمها أكثر الله تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الأدلة العقلية على أن الله هو الذي يؤله دون غيره انفراده بالنعم ودفع النقم، فإن من عرف أن النعم الظاهرة والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله، وأنه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة إلا وهو الذي ينفرد بدفعها وإن أحدا من الخلق لا يملك لنفسه - فضلا عن غيره- جلب نعمة ولا دفع نقمة، تيقن أن عبودية ما سوى الله من أبطل الباطل وأن العبودية لا تنبغي إلا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار، فلهذا أكثر الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا، ومن الأدلة العقلية أيضا على ذلك: ما أخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه، بأنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها، وسلبها الأسماع والأبصار، وأنها على فرض سماعها لا تغني شيئا، وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها غاية النقص، وما أخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة، والقدرة والقهر، وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالأدلة السمعية والعقلية، فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف أن العبادة لا تليق ولا تحسن إلا بالرب العظيم الذي له الكمال كله، والمجد كله، والحمد كله، والقدرة كلها، والكبرياء كلها، لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات الصم البكم الذين لا يعقلون، ومن الأدلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بأبصارهم من قديم الزمان وحديثه، من الإكرام لأهل التوحيد، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك، وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلا إلى كل خير دافعا لكل شر ديني ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية، ولهذا إذا ذكر تعالى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين، وأخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة: إن في ذلك لآية أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه هو الموجب للهلاك، فهذه من الأدلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا الأصل العظيم، وقد أكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) قيل : نزلت هذه الآية في نصارى نجران . وقال الكلبي : قدم حبران من أحبار الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال : أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج في آخر الزمان؟ فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة ، فقالا له : أنت محمد ، قال : نعم ، قالا له : وأنت أحمد؟ قال : " أنا محمد وأحمد " قالا له : فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك ، فقال : اسألا ، فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأسلم الرجلان .قوله ( شهد الله ) أي بين الله لأن الشهادة تبين ، وقال مجاهد : حكم الله [ وقيل : علم الله ] وقيل : أعلم الله أنه لا إله إلا هو .قال ابن عباس رضي الله عنهما : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، فشهد بنفسه لنفسه قبل أن خلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا بر ولا بحر فقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو )وقوله : ( والملائكة ) أي وشهدت الملائكة قيل : معنى شهادة الله الإخبار والإعلام ، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار قوله تعالى ( وأولو العلم ) يعني الأنبياء عليهم السلاموقال ابن كيسان يعني : المهاجرين والأنصار وقال مقاتل : علماء مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه قال السدي والكلبي : يعني جميع علماء المؤمنين ( قائما بالقسط ) أي بالعدل ونظم هذه الآية شهد الله قائما بالقسط ، نصب على الحال ، وقيل : نصب على القطع ، ومعنى قوله ( قائما بالقسط ) أي قائما بتدبير الخلق كما يقال : فلان قائم بأمر فلان ، أي مدبر له ومتعهد لأسبابه ، وقائم بحق فلان أي مجاز له فالله جل جلاله مدبر رازق مجاز بالأعمال ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال القرطبي: «لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما للآخر: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان! فلما دخلا على النبي صلّى الله عليه وسلّم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له: أنت محمد؟ قال نعم قالا:وأنت أحمد؟ قال: نعم. قالا: نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك.فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سلانى. فقالا: أخبرنا عن الأعظم شهادة في كتاب الله. فأنزل الله تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أى بين وأعلم كما يقول:شهد فلان عند القاضي إذا بين وأعلم لمن الحق أو على من هو قال الزجاج: «الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه، فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبين» .والمعنى: أخبر الله- تعالى- عباده وأعلمهم بالآيات القرآنية التي أنزلها على نبيه، وبالآيات الكونية التي لا يقدر على خلقها أحد سواه، وبغير ذلك من الأدلة القاطعة التي تشهد بوحدانيته، وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه هو المنفرد بالألوهية لجميع الخلائق. وأن الجميع عبيده وفقراء إليه وهو الغنى عن كل ما عداه. وشهد بذلك «الملائكة» بأن أقروا بأنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد فعبدوه حق العبادة، وأطاعوه حق الطاعة، وشهد بذلك أيضا «أولو العلم» بأن اعترفوا له- سبحانه- بالوحدانية، وصدقوا بما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبلغوا ذلك لغيرهم.قال الزمخشري: شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما، بشهادة الشاهد في البيان والكشف وكذلك إقرار الملائكة وأولى العلم بذلك واحتجاجهم عليه» .وقالوا: وفي هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن العلماء. وقال في شرف العلم لنبيه- صلّى الله عليه وسلّم- وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم. وقال صلّى الله عليه وسلّم «إن العلماء ورثة الأنبياء» وقال: «العلماء أمناء الله على خلقه» . وهذا شرف للعلماء عظيم ومحل لهم في الدين خطير .والمراد بأولى العلم هنا جميع العلماء الذين سخروا ما أعطاهم الله من معارف في خدمة عقيدتهم، وفيما ينفعهم وينفع غيرهم، وأخلصوا الله في عبادتهم، وصدقوا في أقوالهم وأفعالهم.وقدم- سبحانه- الملائكة على أولى العلم، لأن فيهم من هو واسطة لتوصيل العلم إلى ذويه، لأن علمهم كله ضروري بخلاف البشر فإن علمهم منه ما هو ضروري، ومنه ما هو اكتسابى.وقوله- تعالى- قائِماً بِالْقِسْطِ بيان لكماله- سبحانه- في أفعاله إثر بيان كماله في ذاته.والقسط: العدل. يقال قسط ويقسط قسطا، وأقسط إقساطا فهو مقسط إذا عدل ومنه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ويطلق القسط على الجور، والفاعلي قاسط، ومنه «وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا» .أى: مقيما للعدل في تدبير أمر خلقه، وفي أحكامه. وفيما يقسم بينهم من الأرزاق والآجال، وفيما يأمر به وينهى عنه، وفي كل شأن من شئونه.قال الجمل وقائِماً منصوب على أنه حال من الضمير المنفصل الواقع بعد إلا، فتكون الحال أيضا في حيز الشهادة، فيكون المشهود به أمرين: الوحدانية والقيام بالقسط وهذا أحسن من جعله حالا من الاسم الجليل فاعلى شهد، لأن عليه يكون المشهود به الوحدانية فقط والحال ليست في حيز الشهادة.وقوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تكرير للمشهود به للتأكيد والتقرير، وفيه إشارة إلى مزيد الاعتناء بمعرفة أدلته لأن تثبيت المدعى إنما يكون بالدليل، والاعتناء به يقتضى الاعتناء بأدلته.الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان مقررتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل. أى لا إله في هذا الوجود يستحق العبادة بحق إلا الله الْعَزِيزُ الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، وينتصر من كل أحد عاقبه أو انتقم منه الْحَكِيمُ في تدبيره فلا يدخله خلل.قال ابن جرير: «وإنما عنى جل ثناؤه- بهذه الآية نفى ما أضافت النصارى الذين حاجوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عيسى من النبوة، وما نسب إليه سائر أهل الشرك: من أن له شريكا، واتخاذهم دونه أربابا، فأخبرهم الله عن نفسه، أنه الخالق كل ما سواه، وأنه رب كل ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربا دونه، وأن ذلك مما يشهد به هو وملائكته وأهل العلم به من خلقه.فبدأ- جل ثناؤه- بنفسه تعظيما لنفسه، وتنزيها لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به ما نسبوا إليها، كما سن لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره مؤدبا خلقه بذلك»هذا، ومن الآثار التي وردت في فضل هذه الآية ما رواه الإمام أحمد عن الزبير بن العوام قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ.. إلى آخر الآية. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب» وقال غالب القطان: أتيت الكوفة في تجارة لي فنزلت قريبا من الأعمش فكنت اختلف إليه، فقام في ليلة متهجدا فمر بهذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فقال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي وديعة «إن الدين عند الله الإسلام» ، - قالها مرارا- فقلت. لقد سمع فيها شيئا فسألته في ذلك فقال: حدثني أبو وائل بن عبد الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله- تعالى- «عبدى عهد إلى وأنا أحق من وفي العهد ادخلوا عبدى الجنة» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
شهد تعالى - وكفى به شهيدا ، وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم ، وأصدق القائلين - ( أنه لا إله إلا هو ) أي : المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق ، وأن الجميع عبيده وخلقه ، والفقراء إليه ، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) الآية [ النساء : 166 ] .ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام .( قائما بالقسط ) منصوب على الحال ، وهو في جميع الأحوال كذلك .( لا إله إلا هو ) تأكيد لما سبق ( العزيز الحكيم ) العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني جبير بن عمرو القرشي ، حدثنا أبو سعيد الأنصاري ، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام ، عن الزبير بن العوام ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) " وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب " .وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر ، فقال : حدثنا علي بن حسين ، حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ، حدثنا عمر بن حفص بن ثابت أبو سعيد الأنصاري ، حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، عن الزبير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ هذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة ) قال : " وأنا أشهد أي رب " .وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبدان بن أحمد وعلي بن سعيد الرازي قالا حدثنا عمار بن عمر بن المختار ، حدثني أبي ، حدثني غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة ، فنزلت قريبا من الأعمش ، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر ، قام فتهجد من الليل ، فمر بهذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم . إن الدين عند الله الإسلام ) ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة : ( إن الدين عند الله الإسلام ) قالها مرارا . قلت : لقد سمع فيها شيئا ، فغدوت إليه فودعته ، ثم قلت : يا أبا محمد ، إني سمعتك تردد هذه الآية . قال : أوما بلغك ما فيها ؟ قلت : أنا عندك منذ شهر لم تحدثني . قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة . فأقمت سنة فكنت على بابه ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد ، قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله عز وجل : عبدي عهد إلي ، وأنا أحق من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيه أربع مسائل ( الأولى ) قال سعيد بن جبير : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فلما نزلت هذه الآية خررن سجدا . وقال الكلبي : لما ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام ; فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان . فلما دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفاه بالصفة والنعت ، فقالا له : أنت محمد ؟ قال ( نعم ) . قالا : وأنت أحمد ؟ قال : ( نعم ) . قالا : نسألك عن شهادة ، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك . فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( سلاني ) . فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله . فأنزل الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقد قيل : إن المراد بأولي العلم الأنبياء عليهم السلام . وقال ابن كيسان : المهاجرون والأنصار . مقاتل : مؤمنو أهل الكتاب السدي والكلبي : المؤمنون كلهم ; وهو الأظهر لأنه عام .( الثانية ) في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ; فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء . وقال في شرف العلم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وقل رب زدني علما . فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن العلماء ورثة الأنبياء . وقال : العلماء أمناء الله على خلقه . وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير . وخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث بركة بن نشيط - وهو عنكل بن حكارك وتفسيره بركة بن نشيط - وكان حافظا ، حدثنا عمر بن المؤمل حدثنا محمد بن أبي الخصيب حدثنا عنكل حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة وفي هذا الباب عن أبي الدرداء خرجه أبو داود .( الثالثة ) روى غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت أختلف إليه . فلما كان ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ بهذه الآية : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم . إن الدين عند الله الإسلام ، قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ، وإن الدين عند الله الإسلام - قالها مرارا - فغدوت إليه وودعته ثم قلت : إني سمعتك تقرأ هذه الآية فما بلغك فيها ؟ أنا عندك منذ سنة لم تحدثني به . قال : والله لا حدثتك به سنة . قال : فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى : عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى أدخلوا عبدي الجنة . قال أبو الفرج الجوزي : غالب القطان هو غالب بن خطاف القطان ، يروي عن الأعمش حديث ( شهد الله ) وهو حديث معضل . قال ابن عدي الضعف على حديثه بين . وقال أحمد بن حنبل : غالب بن خطاف القطان ثقة ثقة . وقال ابن معين : ثقة . وقال أبو حاتم : صدوق صالح .قلت : يكفيك من عدالته وثقته أن خرج له البخاري ومسلم في كتابيهما ، وحسبك . وروي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم عند منامه خلق الله له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة . ويقال من أقر بهذه الشهادة عن عقد من قلبه فقد قام بالعدل . وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم أو صنمان . فلما نزلت هذه الآية أصبحت الأصنام قد خرت ساجدة لله .( الرابعة ) قوله تعالى : شهد الله أي بين وأعلم ; كما يقال : شهد فلان عند القاضي إذا بين وأعلم لمن الحق ، أو على من هو . قال الزجاج : الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه ; فقد دلنا الله تعالى على وحدانيته بما خلق وبين . وقال أبو عبيدة : شهد الله بمعنى قضى الله ، أي أعلم . وقال ابن عطية : وهذا مردود من جهات . وقرأ الكسائي بفتح " أن " في قوله أنه لا إله إلا هو وقوله " أن الدين " . قال المبرد : التقدير : أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، ثم حذفت الباء كما قال : أمرتك الخير . أي بالخير . قال الكسائي : أنصبهما جميعا ، بمعنى شهد الله أنه كذا ، وأن الدين عند الله . قال ابن كيسان : " أن " الثانية بدل من الأولى ; لأن الإسلام تفسير المعنى الذي هو التوحيد . وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي " شهد الله إنه " بالكسر أن الدين " بالفتح . والتقدير : شهد الله أن الدين الإسلام ، ثم ابتدأ فقال : إنه لا إله إلا هو . وقرأ أبو المهلب وكان قارئا - شهداء الله بالنصب على الحال ، وعنه " شهداء الله " . وروى شعبة عن عاصم عن زر عن أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ " أن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية " . قال أبو بكر الأنباري : ولا يخفى على ذي تمييز أن هذا الكلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التفسير ، أدخله بعض من نقل الحديث في القرآن . وقائما نصب على الحال المؤكدة من اسمه تعالى في قوله شهد الله أو من قوله إلا هو . وقال الفراء : هو نصب على القطع ، كان أصله القائم ، فلما قطعت الألف واللام نصب كقوله : وله الدين واصبا . وفي قراءة عبد الله " القائم بالقسط " على النعت ، والقسط العدل . لا إله إلا هو العزيز الحكيم كرر لأن الأولى حلت محل الدعوى ، والشهادة الثانية حلت محل الحكم . وقال جعفر الصادق : الأولى وصف وتوحيد ، والثانية رسم وتعليم ; يعني قولوا لا إله إلا الله العزيز الحكيم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وشهدت الملائكة، وأولو العلم.=ف" الملائكة " معطوف بهم على اسم " الله "، و " أنه " مفتوحة ب" شهد ".* * *قال أبو جعفر: وكان بعض البصريين يتأول قوله: " شهد الله "، قضى الله، ويرفع " الملائكة "، بمعنى: والملائكة شهود وأولو العلم. (8)* * *وهكذا قرأت قرأة أهل الإسلام بفتح الألف من " أنه "، على ما ذكرت من إعمال " شهد " في" أنه " الأولى، وكسر الألف من " إن " الثانية وابتدائها. (9) سوى أنّ بعض المتأخرين من أهل العربية، (10) كان يقرأ ذلك جميعًا بفتح ألفيهما، بمعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وأنّ الدين عند الله الإسلام - فعطف ب" أن الدين " على " أنه " الأولى، ثم حذف " واو " العطف، وهى مرادة في الكلام. واحتج في ذلك بأن ابن عباس قرأ ذلك: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) الآية. ثم قال: إِنَّ الدِّينَ ، بكسر " إنّ" الأولى، وفتح " أنّ" الثانية بإعمال " شهد " فيها، وجعل " أن " الأولى اعتراضًا في الكلام غير عامل فيها " شَهد " = وأن ابن مسعود قرأ: " شهد الله أنه لا إله إلا هو " بفتح " أن " وكسر " إنّ" من: " إنّ الدّين عند الله الإسلام " = على معنى إعمال " الشهادة " في" أن " الأولى، و " أن " الثانية مبتدأة. فزعم أنه أراد بقراءته إياهما بالفتح، جمع قراءة ابن عباس وابن مسعود. (11) فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت، جميعَ قرأة أهل الإسلام المتقدّمين منهم والمتأخرين، بدعوى تأويلٍ على ابن عباس وابن مسعود، زعم أنهما قالاه وقرآ به. وغيرُ معلوم ما ادّعى عليهما برواية صحيحة ولا سقيمة. وكفى شاهدًا على خطأ قراءته، خروجها من قراءة أهل الإسلام.* * *قال أبو جعفر: فالصواب إذ كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك - فتحُ الألف من " أنه " الأولى، وكسر الألف من " إنّ" الثانية، أعني من قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ، ابتداءً.* * *وقد روي عن السدي في تأويل ذلك قول كالدالّ على تصحيح ما قرأ به في ذلك من ذكرنا قوله من أهل العربية، في فتح " أنّ" من قوله: " أنّ الدين "، وهو ما:-6760 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة " إلى " لا إله إلا هو العزيز الحكيم "، (12) قال: الله يشهد هو والملائكة والعلماء من الناس: أنّ الدين عند الله الإسلام.* * *فهذا التأويل يدل على أن " الشهادة " إنما هي عاملة في" أنّ" الثانية التي في قوله: " أن الدين عند الله الإسلام ". فعلى هذا التأويل جائز في" أن " الأولى وجهان من التأويل: (13)= أحدهما: أن تكون الأولى منصوبةً على وجه الشرط، بمعنى: شهد الله بأنه واحد = فتكون مفتوحة بمعنى الخفض في مذهب بعض أهل العربية، وبمعنى النصب في مذهب بعضهم =" والشهادة " عاملة في" أن " الثانية، كأنك قلت: شهد الله أن الدّين عند الله الإسلام، لإنه واحدٌ، ثم تقدم " لأنه واحد "، فتفتحها على ذلك التأويل.= والوجه الثاني: أن تكون " إنّ" الأولى مكسورة بمعنى الابتداء، لأنها معترضٌ بها،" والشهادة " واقعة على " أنّ" الثانية: فيكون معنى الكلام: شهد الله = فإنه لا إله إلا هو - والملائكة، أنّ الدين عند الله الإسلام، كقول القائل: " أشهد - فإني محقٌ - أنك مما تعاب به برئ"، ف" إن " الأولى مكسورة، لأنها معترضة،" والشهادة " واقعة على " أنّ" الثانية. (14)* * *قال أبو جعفر: وأما قوله: " قائمًا بالقسط"، فإنه بمعنى: أنه الذي يلي العدل بين خلقه.* * *" والقسط"، هو العدل، من قولهم: " هو مقسط" و " قد أقسط"، إذا عَدَل. (15)* * *ونصب " قائمًا " على القطع. (16)* * *وكان بعض نحويي أهل البصرة يزعم أنه حال من " هو " التي في" لا إله إلا هو ".* * *وكان بعض نحويي الكوفة يزعم أنه حالٌ من اسم " الله " الذي مع قوله: " شهد الله "، فكان معناه: شهد الله القائمُ بالقسط أنه لا إله إلا هو. وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود كذلك: ( وَأُولُو الْعِلْمِ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ )، ثم حذفت " الألف واللام " من " القائم "، فصار نكرة وهو نعت لمعرفة، فنصب.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي، قولُ من جعله قَطعًا، (17) على أنه من نعت الله جل ثناؤه، لأن " الملائكة وأولي العلم "، معطوفون عليه. فكذلك الصحيح أن يكون قوله: " قائمًا " حالا منه.* * *وأما تأويل قوله: " لا إله إلا هو العزيز الحكيم "، فإنه نفى أن يكون شيء يستحقّ العُبودَة غير الواحد الذي لا شريك له في ملكه. (18)* * *ويعني ب " العزيز "، الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، ولا ينتصر منه أحد عاقبه أو انتقم منه (19) =" الحكيم " في تدبيره، فلا يدخله خَلل. (20)* * *قال أبو جعفر: وإنما عنى جل ثناؤه بهذه الآية نَفْيَ ما أضافت النصارَى الذين حاجُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في عيسى من البنوّة، وما نسب إليه سائرُ أهل الشرك من أنّ له شريكًا، واتخاذهم دونه أربابًا. فأخبرهم الله عن نفسه أنه الخالقُ كلّ ما سواه، وأنه ربّ كلِّ ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربًّا دونه، وأنّ ذلك مما يشهد به هو وملائكته وأهلُ العلم به من خلقه. فبدأ جل ثناؤه بنفسه، تعظيمًا لنفسه، وتنزيهًا لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به - ما نسبوا إليها، كما سنّ لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره، مؤدِّبًا خلقه بذلك.والمرادُ من الكلام، الخبرُ عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدّسوه: (21) من ملائكته وعلماء عباده. فأعلمهم أن ملائكته - التي يعظِّمها العابدون غيره من أهل الشرك ويعبدُها الكثير منهم - وأهلَ العلم منهم، (22) منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى، وقولَ من اتخذ ربًّا غيره من سائر الخلق، (23) فقال: شهدت الملائكة وأولُو العلم أنه لا إله إلا هو، وأن كل من اتخذ ربًّا دون الله فهو كاذبٌ = احتجاجًا منه لنبيه عليه السلام على الذين حاجُّوه من وفد نجران في عيسى.* * *واعترض بذكر الله وصفته، على ما بيَّنتُ، (24) كما قال جل ثناؤه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [سورة الأنفال: 41]، افتتاحًا باسمه الكلام، (25) فكذلك افتتح باسمه والثناء على نفسه الشهادةَ بما وصفناه: من نَفْي الألوهة عن غيره، وتكذيب أهل الشرك به.* * *فأما ما قال الذي وصفنا قوله: من أنه عنى بقوله: " شهد "، قضى - فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم، لأن " الشهادة "، معنًى،" والقضاء " غيرها. (26)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن بعض المتقدمين القول في ذلك.6761 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم "، بخلاف ما قالوا - يعني: بخلاف ما قال وفدُ نجران من النصارى =" قائمًا بالقسط"، أي بالعدل. (27)6762 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " بالقسط"، بالعدل.----------------------الهوامش :(8) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 89 ، ولم يسمه الطبري ، بل قال"بعض البصريين". وانظر رد الطبري قوله في ص: 272.(9) يعني ، في قوله في صدر الآية التالية: "إن الدين عند الله الإسلام".(10) هو الكسائي ، انظر معاني القرآن للفراء 1: 200 وتفسير القرطبي 4: 42 ، 43.(11) انظر معاني القرآن للفراء 1: 199-200.(12) في المطبوعة: "فإن الله يشهد" ، وفي المخطوطة: فأن الله يشهد" ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت.(13) في المطبوعة: "في أن في الأولى وجهان" ، أما المخطوطة فقد وضع فوق"أن""في" صغيرة. كأنه أراد: "جائز في الأولى" ، بحذف"أن" ، لأنه لم يضع علامة تدل على الزيادة. فلذلك أسقطتها.(14) انظر بيان ذلك أيضًا في معاني القرآن للفراء 1: 200.(15) انظر تفسير"القسط" فيما سلف ص: 77.(16) "القطع" هو الحال ، كما سلف منذ قريب: ص: 261. تعليق: 3. وقد بينه الفراء في كلامه في معاني القرآن 1: 200 إذ قال: "منصوب على القطع ، لأنه نكرة نعت به معرفة". وبين أن الحال ضرب من النعت. تقول: "جاءني زيد الراكب" بالرفع ، فيكون نعتًا لأنه معرفة نعت بمعرفة ، فإذا نعته بالنكرة لم يجز أن تقول: "جاءني زيد راكب" بالرفع ، إلا أن تجعله بدلا من المعرفة ، وإنما الوجه أن تقطعه عن إعراب النعت ، فتنصبه ، فيكون حالا. فذلك تفسير"القطع" على أنه الحال ولم أجد تفسيره في كتاب مما بين يدي. وهو من اصطلاح أهل الكوفة فيما أرجح ، لاستعمال الفراء إياه ، ولذكر الطبري له في مقالة الكوفيين كثيرًا ، كما سلف. وكما سيتبين من قول الطبري بعد ذلك"أنه حال" في الجمل الآتية.(17) "القطع" هو الحال ، كما سلف منذ قريب: ص: 261. تعليق: 3. وقد بينه الفراء في كلامه في معاني القرآن 1: 200 إذ قال: "منصوب على القطع ، لأنه نكرة نعت به معرفة". وبين أن الحال ضرب من النعت. تقول: "جاءني زيد الراكب" بالرفع ، فيكون نعتًا لأنه معرفة نعت بمعرفة ، فإذا نعته بالنكرة لم يجز أن تقول: "جاءني زيد راكب" بالرفع ، إلا أن تجعله بدلا من المعرفة ، وإنما الوجه أن تقطعه عن إعراب النعت ، فتنصبه ، فيكون حالا. فذلك تفسير"القطع" على أنه الحال ولم أجد تفسيره في كتاب مما بين يدي. وهو من اصطلاح أهل الكوفة فيما أرجح ، لاستعمال الفراء إياه ، ولذكر الطبري له في مقالة الكوفيين كثيرًا ، كما سلف. وكما سيتبين من قول الطبري بعد ذلك"أنه حال" في الجمل الآتية.(18) قوله: "العبودة" هو مصدر من"عبد" على وزن"شرف" يقال: "هو عبد بين العبودة والعبودية والعبدية" وقد استعملها الطبري بهذا المعنى فيما سلف 3: 347 ، وانظر التعليق هناك. وهو بمعنى الخضوع والتذلل ، فكأنه استعمله هنا أيضًا بذلك المعنى ، كأنه قال: فإنه نفي أن يكون شيء يستحق الخضوع له والتذلل ، غير الواحد الذي لا شريك له في ملكه. وقد صرح ابن القطاع في كتاب الأفعال 2: 337 أن مصدر"عبد الله يعبده": "عبادة وعبودة وعبودية" ، أي: خدم ، وذل أشد الذل.(19) انظر تفسير"العزيز" فيما سلف 3: 88 / ثم هذا ص: 168 ، 169 وفهارس اللغة (عزز).(20) انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف 3: 88 ، وفهارس اللغة (حكم).(21) في المخطوطة والمطبوعة: "فقدموه" كأنه أراد معنى: "البدء بذكره تعالى" ، ولو كان كذلك لكان أجود أن يقول: "فقدموا ذكره" ، ولكنى أستظهر من سياق كلامه معنى التنزيه ، فلذلك رأيت أنها تصحيف قوله: "فقدسوه".(22) سياق الكلام: فأعلمهم أن ملائكته. . . وأهل العلم منهم ، منكرون. . .".(23) قوله: "وقول من اتخذ ربًا غيره. . ." بنصب"وقول" عطفًا على قولهم"ما هم عليه مقيمون" ، وهو مفعول به لقوله: "منكرون".(24) في المطبوعة: "على ما نبينه" ، وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة ، ولكنه لم يحسن قراءتها.(25) معنى ذلك: أن ذكر"الله" في آية الأنفال هذه ، إنما هي افتتاح كلام ، قال أبو جعفر في تفسيرها (10: 3 بولاق): "قال بعضهم: قوله: "فأن الله خمسه" مفتاح كلام ، ولله الدنيا والآخرة وما فيهما. وإنما معنى الكلام: فأن للرسول خمسه". وهذا القول هو الذي رجحه الطبري في تفسير الآية هناك.(26) هذا رد على مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن ، كما سلف في ص: 267 تعليق: 2.(27) الأثر: 6761- هو ما رواه ابن هشام من سيرة ابن إسحاق 2: 227 ، وهو من بقية الآثار التي آخرها فيما سلف رقم: 6649.
﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾