فيترك الأرض حينئذ منبسطة مستوية ملساء لا نبات فيها، لا يرى الناظر إليها مِن استوائها مَيْلا ولا ارتفاعًا ولا انخفاضًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لا ترى فيها عوجا» انخفاضا «ولا أمْتا» ارتفاعا.
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيات من 105 الى 107 :يخبر تعالى عن أهوال القيامة، وما فيها من الزلازل والقلاقل، فقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ أي: ماذا يصنع بها يوم القيامة، وهل تبقى بحالها أم لا؟ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا أي: يزيلها ويقلعها من أماكنها فتكون كالعهن وكالرمل، ثم يدكها فيجعلها هباء منبثا، فتضمحل وتتلاشى، ويسويها بالأرض، ويجعل الأرض قاعا صفصفا، مستويا لا يرى فيه أيها الناظر عِوَجًا، هذا من تمام استوائها وَلَا أَمْتًا أي: أودية وأماكن منخفضة، أو مرتفعة فتبرز الأرض، وتتسع للخلائق، ويمدها الله مد الأديم، فيكونون في موقف واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ولهذا
﴿ تفسير البغوي ﴾
( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال مجاهد : انخفاضا وارتفاعا .وقال الحسن : " العوج " : ما انخفض من الأرض ، و " الأمت " : ما نشز من الروابي ، أي : لا ترى واديا ولا رابية .قال قتادة : لا ترى فيها صدعا ولا أكمة .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً أى: لا ترى في الأرض بعد اقتلاع الجبال منها، مكانا منخفضا، كما لا ترى فيها أَمْتاً أى: مكانا مرتفعا، بل تراها كلها مستوية ملساء كالصف الواحد.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: قد فرقوا بين العوج والعوج، فقالوا: العوج بالكسر في المعاني: والعوج بالفتح في الأعيان، والأرض عين، فكيف صح فيها المكسور العين؟.قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها، وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأى المهندس فيها، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية، لعثر فيها على عوج في غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسى، فنفى الله ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني، فقيل فيه، عوج بالكسر والأمت: النتوء اليسير، يقال: مد حبله حتى ما فيه أمت..
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ولهذا قال : ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) أي : لا ترى في الأرض يومئذ واديا ولا رابية ، ولا مكانا منخفضا ولا مرتفعا ، كذلك قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد من السلف .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
لا ترى في موضع الصفة . فيها عوجا قال ابن الأعرابي : العوج التعوج في الفجاج . والأمت النبك . وقال أبو عمرو : الأمت النباك وهي التلال الصغار واحدها نبك ؛ أي هي أرض مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع . تقول : امتلأ فما به أمت ، وملأت القربة ملئا لا أمت فيه ؛ أي لا استرخاء فيه . والأمت في اللغة المكان المرتفع . وقال ابن عباس : عوجا ميلا . قال : والأمت الأثر مثل الشراك . عنه أيضا عوجا واديا ولا أمتا رابية . وعنه أيضا : العوج والأمت الارتفاع . وقال قتادة : عوجا صدعا . ولا أمتا أي أكمة . وقال يمان الأمت الشقوق في الأرض . وقيل : الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ويدق في مكان ؛ حكاه الصولي .قلت : وهذه الآية تدخل في باب الرقى ؛ ترقى بها الثآليل وهي التي تسمى عندنا ( بالبراريق ) واحدها ( بروقة ) ؛ تطلع في الجسد وخاصة في اليد : تأخذ ثلاثة أعواد من تبن الشعير ، يكون في طرف كل عود عقدة ، تمر كل عقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة ، ثم تدفن الأعواد في مكان ندي ؛ تعفن وتعفن الثآليل فلا يبقى لها أثر ؛ جربت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعا إن شاء الله تعالى .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) يقول: لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا.واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت، فقال بعضهم عنى بالعوج في هذا الموضع: الأودية، وبالأمت: الروابي والنشوز.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) يقول: واديا، ولا أمتا: يقول: رابية.حدثني محمد بن عبد الله المخرمي، قال: ثنا أبو عامر العقدي، عن عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان، قال: سمعت عكرمة، قال: سئل ابن عباس، عن قوله (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال: هي الأرض البيضاء، أو قال: الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) قال: ارتفاعا، ولا انخفاضا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) قال: لا تعادي، الأمت: التعادي.وقال آخرون: بل عنى بالعوج في هذا الموضع: الصدوع، وبالأمت: الارتفاع من الآكام وأشباهها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ) قال: صدعا(ولا أمتا) يقول: ولا أكمة.وقال آخرون: عنى بالعوج: الميل، وبالأمت: الأثر.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ) يقول: لا ترى فيها ميلا والأمت: الأثر مثل الشراك.وقال آخرون: الأمت: المحاني والأحداب.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: الأمت: الحدب.قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالعوج: الميل، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب.فإن قال قائل: وهل في الأرض اليوم من عوج، فيقال: لا ترى فيها يومئذ عوجا، قيل: إن معنى ذلك: ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا، وأحيانا شمالا لما فيها من الجبال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب: الانثناء والضعف، مسموع منهم، مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا: أي انثناء، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا، ومنه قول الراجز:ما فِي انْجِذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ (1)يعني: من وهن وضعف، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله: ولا ارتفاع ولا انخفاض، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع ، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: لا ترى فيها ميلا عن الاستواء، ولا ارتفاعا، ولا انخفاضا، ولكنها مستوية ملساء، كما قال جلّ ثناؤه: ( قَاعًا صَفْصَفًا ).---------------الهوامش :(1) البيت من مشطور الرجز ، وهو للعجاج كما في ( اللسان : أمت ) والرواية فيه : * ما في انطلاق ركبه من أمت *قال : وفي حديث أبي سعيد الخدري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر ، فلا أمت فيها ، وأنا أنهي عن السكر والمسكر " . قال أبو منصور : معنى قول أبي سعيد عن النبيّ : أراد أنه حرمها تحريما لا هوادة فيه ولا لين ، لكنه شدد في تحريمها ؛ وهو من قولك : سرت سيرا لا أمت فيه : أي لا وهن فيه ولا ضعف . وجائز أن يكون المعنى أنه حرمها تحريمًا لا شك فيه . وأصله من الأمت بمعنى الحزر والتقدير ، لأن الشك يدخلها . قال العجاج * ما في انطلاق ركبه من أمت *أي من فتور واسترخاء . أه .