قل -أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين: آمِنوا بالقرآن أو لا تؤمنوا؛ فإن إيمانكم لا يزيده كمالا وتكذيبكم لا يُلْحِق به نقصًا. إن العلماء الذين أوتوا الكتب السابقة مِن قبل القرآن، وعرفوا حقيقة الوحي، إذا قرئ عليهم القرآن يخشعون، فيسجدون على وجوههم لله سبحانه وتعالى.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قل» لكفار مكة «آمنوا به أو لا تؤمنوا» تهديد لهم «إن الذين أوتوا العلم من قبله» قبل نزوله وهم مؤمنو أهل الكتاب «إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سُجَّدا».
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا فإذا تبين أنه الحق، الذي لا شك فيه ولا ريب، بوجه من الوجوه ف: قُلْ لمن كذب به وأعرض عنه: آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا فليس لله حاجة فيكم، ولستم بضاريه شيئًا، وإنما ضرر ذلك عليكم، فإن لله عبادًا غيركم، وهم الذين آتاهم الله العلم النافع: إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا أي: يتأثرون به غاية التأثر، ويخضعون له.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ) هذا على طريق الوعيد والتهديد ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ) قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب وهم الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمر بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم .( إذا يتلى عليهم ) يعني القرآن ( يخرون للأذقان ) أي : يسقطون على الأذقان قال ابن عباس : أراد بها الوجوه ( سجدا )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب المشركين بما يدل على هوان شأنهم. وعلى عدم المبالاة بهم، فقال- تعالى-: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً....أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين. الذين طلبوا منك ما هو خارج عن رسالتك، والذين وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين: قل لهم: آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا به، لأن إيمانكم به، لا يزيده كمالا، وعدم إيمانكم به لا ينقص من شأنه شيئا، فإن علماء أهل الكتاب الذين آتاهم الله العلم قبل نزول هذا القرآن، وميزوا بين الحق والباطل، كانوا إذا تلى عليهم هذا القرآن، - كأمثال عبد الله بن سلام وأصحابه «يخرون للأذقان سجدا» أى: يسقطون على وجوههم ساجدين لله- تعالى- شكرا له على إنجاز وعده، بإرسالك- أيها الرسول الكريم- وبإنزال القرآن عليك، كما وعد بذلك- سبحانه- في كتبه السابقة.فالجملة الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.. تعليل لعدم المبالاة بهؤلاء المشركين الجاهلين، والضمير في قوله: مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى القرآن الكريم.وقوله: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً يدل على قوة إيمانهم، وعلى سرعة تأثرهم بهذا القرآن، فهم بمجرد تلاوته عليهم، يسقطون على وجوههم ساجدين لله- تعالى-.وخصت الأذقان بالذكر، لأن الذقن أول جزء من الوجه يقرب من الأرض عند السجود، ولأن ذلك يدل على نهاية خضوعهم لله- تعالى- وتأثرهم بسماع القرآن الكريم:.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( قل ) يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم : ( آمنوا به أو لا تؤمنوا ) أي : سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه ، أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله ؛ ولهذا قال : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ) أي : من صالح أهل الكتاب الذين يمسكون بكتابهم ويقيمونه ، ولم يبدلوه ولا حرفوه ) إذا يتلى عليهم ) هذا القرآن ، ( يخرون للأذقان ) جمع ذقن ، وهو أسفل الوجه ) سجدا ) أي : لله عز وجل ، شكرا على ما أنعم به عليهم ، من جعله إياهم أهلا إن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه [ هذا ] الكتاب ؛
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا قوله تعالى : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا يعني القرآن . وهذا من الله - عز وجل - على وجه التبكيت لهم والتهديد لا على وجه التخيير .إن الذين أوتوا العلم من قبله أي من قبل نزول القرآن وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ; في قول ابن جريج وغيره . قال ابن جريج : معنى إذا يتلى عليهم كتابهم . وقيل القرآن . وقيل : هم قوم من ولد إسماعيل تمسكوا بدينهم إلى أن بعث الله - تعالى - النبي - عليه السلام - ، منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل . وعلى هذا ليس يريد أوتوا الكتاب بل يريد أوتوا علم الدين . وقال الحسن : الذين أوتوا العلم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال مجاهد : إنهم ناس من اليهود ; وهو أظهر لقوله من قبله .إذا يتلى عليهم يعني القرآن في قول مجاهد . كانوا إذا سمعوا ما أنزل الله - تعالى - من القرآن سجدوا وقالوا : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا . وقيل : كانوا إذا تلوا كتابهم وما أنزل عليه من القرآن خشعوا وسجدوا وسبحوا ، وقالوا : هذا هو المذكور في التوراة ، وهذه صفته ، ووعد الله به واقع لا محالة ، وجنحوا إلى الإسلام ; فنزلت الآية فيهم . وقالت فرقة : المراد ب " الذين أوتوا العلم من قبله " محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والضمير في قبله عائد على القرآن حسب الضمير في قوله قل آمنوا به . وقيل : الضميرانلمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، واستأنف ذكر القرآن في قوله : إذا يتلى عليهم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء القائلين لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا : آمنوا بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله، لم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، أوَ لا تؤمنوا به، فإن إيمانكم به لن يزيد في خزائن رحمة الله ولا ترككم الإيمان به يُنقص ذلك ، وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلم بالله وآياته من قبل نزوله من مؤمني أهل الكتابين، إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرّون تعظيما له وتكريما ، وعلما منهم بأنه من عند الله، لأذقانهم سجدا بالأرض.واختلف أهل التأويل في الذي عُني بقوله (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ) فقال بعضهم: عُنِي به: الوجوه.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا) يقول: للوجوه.حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا) قال للوجوه.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.وقال آخرون: بل عُنِيَ بذلك اللِّحَى.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الحسن في قوله (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ) قال: اللِّحَى.
﴿ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ﴾