فأما الذين شَقُوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم، فالنار مستقرهم، لهم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفير وشهيق، وهما أشنع الأصوات وأقبحها، ماكثين في النار أبدًا ما دامت السموات والأرض، فلا ينقطع عذابهم ولا ينتهي، بل هو دائم مؤكَّد، إلا ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد مدَّة من مكثهم في النار. إن ربك -أيها الرسول- فعَّال لما يريد.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فأما الذين شقوا» في علمه تعالى «ففي النار لهم فيها زفير» صوت شديد «وشهيق» صوت ضعيف.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وأما جزاؤهم فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا ْ أي: حصلت لهم الشقاوة، والخزي والفضيحة، فَفِي النَّارِ ْ منغمسون في عذابها، مشتد عليهم عقابها، لَهُمْ فِيهَا ْ من شدة ما هم فيه زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ْ وهو أشنع الأصوات وأقبحها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله : ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف . وقال الضحاك ومقاتل : الزفير أول نهيق الحمار ، والشهيق آخره إذا ردده في جوفه . وقال أبو العالية : الزفير في الحلق والشهيق في الصدر .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم فصل- سبحانه- أحوال الأشقياء والسعداء فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.قال الآلوسي: قال الراغب: الزفير ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه مأخوذ من زفر فلان إذا حمل حملا بمشقة فتردد فيه نفسه، ومنه قيل للإماء الحاملات الماء: زوافر.والشهيق. رد النفس إلى الصدر بصعوبة وعناء.والمراد بهما: الدلالة على شدة كربهم وغمهم، وتشبيه حالهم بحال من استولت على قلبه الحرارة، واستبد به الضيق حتى صار في كرب شديد .والمعنى: فأما الذين كان نصيبهم الشقاء في الآخرة، بسبب كفرهم واقترافهم للمعاصي في الدنيا، فمصيرهم إلى الاستقرار في النار، لهم فيها من ضيق الأنفاس. وحرج الصدور، وشدة الكروب ما يجعلهم يفضلون الموت على ما هم فيه من هم وغم. وخص- سبحانه- من بين أحوالهم الأليمة حالة الزفير والشهيق تنفيرا من الأسباب التي توصل إلى النار، وتبشيعا لتلك الحالة التي فيها ما فيها من سوء المنظر، وتعاسة الحال ...
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى : ( لهم فيها زفير وشهيق ) قال ابن عباس : الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدر أي : تنفسهم زفير ، وأخذهم النفس شهيق ، لما هم فيه من العذاب ، عياذا بالله من ذلك .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فأما الذين شقوا ابتداء .ففي النار في موضع الخبر ، وكذا لهم فيها زفير وشهيق قال أبو العالية : الزفير من الصدر . والشهيق من الحلق ; وعنه أيضا ضد ذلك . وقال الزجاج : الزفير من شدة الأنين ، والشهيق من الأنين المرتفع جدا ; قال : وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في النهيق . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - عكسه ; قال : الزفير الصوت الشديد ، والشهيق الصوت الضعيف . وقال الضحاك ومقاتل : الزفير مثل أول نهيق الحمار ، والشهيق مثل آخره حين فرغ من صوته ; قال الشاعر :حشرج في الجوف سحيلا أو شهق حتى يقال ناهق وما نهقوقيل : الزفير إخراج النفس ، وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس ، والشهيق رد النفس وقيل : الزفير ترديد النفس من شدة الحزن ; مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته ; والشهيق النفس الطويل الممتد ; مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ; أي طويل . والزفير والشهيق من أصوات المحزونين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول: تعالى ذكره: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ) ، وهو أوّل نُهاق الحمار وشبهه ، ( وَشَهِيقٌ ) ، وهو آخر نهيقه إذا ردده في الجوف عند فراغه من نُهاقه، كما قال رؤبة بن العجاج:حَشْرَجَ فِي الجَوْفِ سَحِيلا أَوْ شَهَقْحَتَّى يُقَالَ نَاهِقٌ وَمَا نَهَقْ (18)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك :18567- حدثني المثني قال ، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، يقول: صوت شديدٌ وصوت ضعيف.18568-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية في قوله: ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ، قال: " الزفير " في الحلق، و " الشهيق " في الصدر.18569- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، بنحوه.18570- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: صوت الكافر في النار صوت الحمار، أوّله زفير وآخره شهيق18571- حدثنا أبو هشام الرفاعي ، ومحمد بن معمر البحراني ، ومحمد بن المثني ، ومحمد بن بشار قالوا، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا سليمان بن سفيان قال ، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر عن عمر قال، لما نزلت هذه الآية : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) ، سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ الله، فعلام عَمَلُنا؟ على شيء قد فرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على شيء قد فُرِغ منه ، يا عمر ، وجرت به الأقلام، ولكن كلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له ، اللفظ لحديث ابن معمر. (19)-----------------------الهوامش :(19) الأثر : 15871 " سليمان بن سفيان التميمي " ، ضعيف ، منكر الحديث ، يروي عن الثقات أحاديث مناكير . مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 2 / 18 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 119 ، وميزان الاعتدال 1 : 415 . وهذا خبر ضعيف الإسناد ، ذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 395 ، عن مسند أبي يعلي ، وذكره الحافظ الذهبي في الميزان ، بإسناده ، عن أبي عامر العقدي . لكن معنى الخبر له شواهد في الصحيح .