يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين لم تؤمروا فيها بشيء، كالسؤال عن الأمور غير الواقعة، أو التي يترتب عليها تشديدات في الشرع، ولو كُلِّفتموها لشقَّتْ عليكم، وإن تسألوا عنها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عليه تُبيَّن لكم، وقد تُكلَّفونها فتعجزون عنها، تركها الله معافيًا لعباده منها. والله غفور لعباده إذا تابوا، حليم عليهم فلا يعاقبهم وقد أنابوا إليه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
ونزل لما أكثروا سؤاله صلىالله عليه وسلم «يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ» تظهر «لكم تسؤكم» لما فيها من المشقة «وإن تسألوا عنها حين ينزَّل القرآن» في زمن النبي صلىالله عليه وسلم «تُبدَ لكم» المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد «عفا الله عنها» من مسألتكم فلا تعودوا «والله غفور رحيم».
﴿ تفسير السعدي ﴾
ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة. وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني، فهذه الأسئلة، وما أشبهها هي المنهي عنها، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا مأمور به، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ أي: وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن، فتسألون عن آية أشكلت، أو حكم خفي وجهه عليكم، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء، تبد لكم، أي: تبين لكم وتظهر، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه. عَفَا اللَّهُ عَنْهَا أي: سكت معافيا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه. وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ أي: لم يزل بالمغفرة موصوفا، وبالحلم والإحسان معروفا، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه، واطلبوه من رحمته ورضوانه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) الآية . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حفص بن عمر أنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فغضب فصعد المنبر فقال : " لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم " ، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كان رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ، فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي؟ قال " حذافة " : ثم أنشأ عمر ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نعوذ بالله من الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ، إني صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط " ، وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) .قال يونس عن ابن شهاب : أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال : قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة : ما سمعت بابن قط أعق منك ، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . وروي عن عمر قال : يا رسول الله إنا حديثو عهد بجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك ، فسكن غضبه .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الفضل بن سهل أخبرنا أبو النضر أنا أبو خيثمة أنا أبو جويرية عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) حتى فرغ من الآية كلها . وروي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت : ( ولله على الناس حج البيت ) قال رجل : يا رسول الله أفي كل عام فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يؤمنك أن أقول نعم؟ والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) أي : إن تظهر لكم تسؤكم ، أي : إن أمرتم بالعمل بها ، فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه ، ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح .وقال مجاهد نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، ألا تراه ذكرها بعد ذلك؟ ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) معناه صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهي أو حكم ، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ومست حاجتكم إليه ، فإذا سألتم عنها حينئذ تبدى لكم ، ( عفا الله عنها والله غفور حليم)
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة، منها ما حكاه القرطبي في قوله: روى البخاري ومسلم وغيرهما- واللفظ للبخاري- عن أنس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى؟ قال: «أبوك فلان»وخرج البخاري أيضا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «فو الله لا تسألونى عن شيء إلا أخبرتكم به مادمت في مقامي هذا» فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال «النار» فقام عبد الله بن حذافة- وكان إذا لا حي يدعى إلى غير أبيه- فقال من أبى يا رسول الله؟ فقال: أبوك حذافة..وروى الدّارقطنيّ والترمذي عن على رضى الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت.فقالوا: أفي كل عام؟ قال: «لا ولو قلت نعم لوجبت» فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ.. الآية.وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.ثم قال القرطبي: ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض» .والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإيمان، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرهما. هذه الأشياء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ وتظهر تَسُؤْكُمْ أى:تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم، ومن المشقة عليكم، ومن الفضيحة لبعضكم.فالآية الكريمة- كما يقول ابن كثير- تأديب من الله لعباده المؤمنين، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم، وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» .وقد وجه- سبحانه- النداء إليهم بصفة الإيمان، لتحريك حرارة العقيدة في نفوسهم، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به.وقوله: أَشْياءَ اسم جمع من لفظ شيء، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء- وهذا رأى الخليل وسيبويه وجمهور البصريين-.ويرى الفراء أن أشياء جمع لشيء. وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، ومتعلق بقوله: تَسْئَلُوا.ومفعول تَسْئَلُوا محذوف للتعميم. أى: لا تسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسألوا غيره عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها، بل إن السؤال عنها قد يؤدى إلى إحراجكم وإلى المشقة عليكم.وقوله: إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها.وعبر «بإن» المفيدة للشك وعدم القطع بوقوع الشرط والجزاء للإشارة إلى أن هذا الشك كاف في تركهم للسؤال عن هذه الأشياء، فإن المؤمن الحق يبتعد عن كل ما لا فائدة من ورائه من أسئلة أو غيرها.وقوله: وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ معطوف على ما قبله وهو قوله: إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.والضمير في قوله عَنْها يعود على أَشْياءَ وحِينَ ظرف زمان منصوب بالفعل تَسْئَلُوا.والمعنى: لا تكثروا- أيها المؤمنون- من الأسئلة التي لا خير لكم في السؤال عنها، وإن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة، فتطلبوا بيانها تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها.قال الفخر الرازي: السؤال على قسمين:أحدهما: السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه. فهذا السؤال منهى عنه بقوله: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.والنوع الثاني من السؤال: السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فهاهنا السؤال واجب، وهو المراد بقوله: وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ.والفائدة في ذكر هذا القسم، أنه لما منع في الجملة الأولى من السؤال، أو هم أن جميع أنواع السؤال ممنوع منه، فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم.فإن قيل: إن قوله وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها هذا الضمير عائد على الأشياء المذكورة في قوله:لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ فكيف يعقل في أَشْياءَ بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزا معا؟قلنا: الجواب عنه من وجهين:الأول: جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعا قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها. والثاني: أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما في حكم شيء واحد، فلهذا حسن اتحاد الضمير، وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين» :وقال القرطبي: قوله- تعالى- وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ فيه غموض.وذلك أن في أول الآية النهى عن السؤال، ثم قال: وَإِنْ تَسْئَلُوا.. إلخ. فأباحه لهم.فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف ولا يصح حمله على غير الحذف.قال الجرجانى: الكناية في «عنها» ترجع إلى أشياء أخر، كقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ يعنى آدم، ثم قال: ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً أى: ابن آدم، لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله، وعرف ذلك بقرينة الحال.فالمعنى: وإن تسألوا عن أشياء- أخر- حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مست حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم فقد أباح- سبحانه- هذا النوع من السؤال» .والضمير في قوله عَفَا اللَّهُ عَنْها يعود إلى أشياء، والجملة في محل جر صفه أخرى لأشياء.أى: أن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها هي مما عفا الله عنه- رحمة منه وفضلا- حيث لم يكلفكم بها. ولم يفضحكم ببيانها.ويجوز أن يعود الضمير إلى الأسئلة المدلول عليها بقوله لا تَسْئَلُوا فتكون الجملة مستأنفة، ويكون المعنى: عفا الله عن أسئلتكم السالفة التي سألتموها قبل النهى، وتجاوز- سبحانه- عن معاقبتكم عليها رحمة منه وكرما فمن الواجب عليكم بعد ذلك ألا تعودوا إلى مثلها أبدا.قال صاحب المنار: ولا مانع عندنا يمنعنا من إرادة المعنيين معا. فإن كل ما تدل عليه عبارات القرآن من المعاني الحقيقة والمجازية والكناية يجوز عندنا أن يكون مرادا منها مجتمعة تلك المعاني أو منفردة ما لم يمنع مانع من ذلك كأن تكون تلك المعاني مما لا يمكن اجتماعها شرعا أو عقلا، فحينئذ لا يصح أن تكون كلها مرادة بل يرجح بعضها على بعض بطرق الترجيح المعروفة من لفظية ومعنوية.وقوله وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ اعتراض تذييلى مقرر لعفوه- سبحانه- أى: عفا الله عن كل ذلك، وهو- سبحانه- واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليكم، ولم يؤاخذكم بما فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهى عنها.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) هذا تأديب من الله [ تعالى ] لعباده المؤمنين ، ونهي لهم عن أن يسألوا ) عن أشياء ) مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ; لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " .وقال البخاري : حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط ، قال " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " قال : فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم لهم حنين . فقال رجل : من أبي؟ قال : " فلان " ، فنزلت هذه الآية : ( لا تسألوا عن أشياء )رواه النضر وروح بن عبادة ، عن شعبة وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج ، به .وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) الآية ، قال : فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر ، فقال : " لا تسألوا اليوم عن شيء إلا بينته لكم " . فأشفق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون بين يدي أمر قد حضر ، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي ، فأنشأ رجل كان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبي الله ، من أبي؟ قال : " أبوك حذافة " . قال : ثم قام عمر - أو قال : فأنشأ عمر - فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا عائذا بالله - أو قال : أعوذ بالله - من شر الفتن قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لم أر في الخير والشر كاليوم قط ، صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط " . أخرجاه من طريق سعيد .ورواه معمر ، عن الزهري ، عن أنس بنحو ذلك - أو قريبا منه - قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة : ما رأيت ولدا أعق منك قط ، أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس ، فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر ، فقام إليه رجل فقال : أين أبي ؟ فقال : " في النار " فقام آخر فقال : من أبي؟ فقال : " أبوك حذافة " ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما ، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك ، والله أعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) إسناده جيد .وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف ، منهم أسباط ، عن السدي أنه قال في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) قال : غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من الأيام ، فقام خطيبا فقال : " سلوني ، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به " . فقام إليه رجل من قريش ، من بني سهم ، يقال له : عبد الله بن حذافة ، وكان يطعن فيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبي؟ فقال : " أبوك فلان " ، فدعاه لأبيه ، فقام إليه عمر بن الخطاب فقبل رجله ، وقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربا ، وبك نبيا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، فاعف عنا عفا الله عنك ، فلم يزل به حتى رضي ، فيومئذ قال : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " .ثم قال البخاري : حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا أبو الجويرية ، عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) حتى فرغ من الآية كلها . تفرد به البخاري .وقال الإمام أحمد : حدثنا منصور بن وردان الأسدي ، حدثنا علي بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن أبي البختري - وهو سعيد بن فيروز - عن علي قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [ آل عمران : 97 ] قالوا : يا رسول الله ، كل عام؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام؟ فسكت ، قال : ثم قالوا : أفي كل عام؟ فقال : " لا ولو قلت : نعم لوجبت " ، فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) إلى آخر الآية .وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من طريق منصور بن وردان ، به وقال الترمذي : غريب من هذا الوجه ، وسمعت البخاري يقول : أبو البختري لم يدرك عليا .وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن إبراهيم بن مسلم الهجري ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله كتب عليكم الحج " فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه ، حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : " من السائل؟ " فقال : فلان . فقال : " والذي نفسي بيده ، لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه ، ولو تركتموه لكفرتم " ، فأنزل الله ، عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) حتى ختم الآية .ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة - وقال : فقام محصن الأسدي - وفي رواية من هذه الطريق : عكاشة بن محصن - وهو أشبه .وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف .وقال ابن جرير أيضا : حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر ، حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى ، عن صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فقال : " كتب عليكم الحج " . فقام رجل من الأعراب فقال : أفي كل عام؟ قال : فغلق كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأسكت واستغضب ، ومكث طويلا ثم تكلم فقال : " من السائل؟ " فقال الأعرابي : أنا ذا ، فقال : " ويحك ، ماذا يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم ، ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحرج ، والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض ، وحرمت عليكم منها موضع خف ، لوقعتم فيه " قال : فأنزل الله عند ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) إلى آخر الآية . في إسناده ضعف .وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته ، فالأولى الإعراض عنها وتركها . وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال :حدثنا حجاج قال : سمعت إسرائيل بن يونس ، عن الوليد بن أبي هشام مولى الهمداني ، عن زيد بن زائد ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ; فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " الحديث .وقد رواه أبو داود والترمذي ، من حديث إسرائيل - قال أبو داود : عن الوليد - وقال الترمذي : عن إسرائيل - عن السدي ، عن الوليد بن أبي هاشم ، به . ثم قال الترمذي : غريب من هذا الوجه .وقوله : ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) أي : وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على الرسول تبين لكم ، وذلك [ على الله ] يسير .ثم قال ( عفا الله عنها ) أي : عما كان منكم قبل ذلك ( والله غفور حليم )وقيل : ) وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) أي : لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها ، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق وقد ورد في الحديث : " أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته " ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها حينئذ ، تبينت لكم لاحتياجكم إليها .( عفا الله عنها ) أي : ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه ، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها . وفي الصحيح ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ذروني ما تركتم ; فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " .وفي الحديث الصحيح أيضا : " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليمفيه ست مسائل :الأولى : روى البخاري ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخاري - عن أنس قال ، قال رجل : يا نبي الله ، من أبي ؟ قال : أبوك فلان قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية ، وخرج أيضا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : النار . فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله فقال : أبوك حذافة وذكر الحديث قال ابن عبد البر : عبد الله بن حذافة أسلم قديما ، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا وكانت فيه دعابة ، وكان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ; أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه سلم ; ولما قال من أبي يا رسول الله ; قال : أبوك حذافة قالت له أمه : ما سمعت بابن أعق منك آمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ! فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به ، وروى الترمذي والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قالوا : يا رسول الله أفي كل عام ؟ فسكت ، فقالوا : أفي كل عام ؟ قال : لا ولو قلت نعم لوجبت ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم إلى آخر الآية . واللفظ للدارقطني سئل البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن إلا أنه مرسل ; أبو البختري لم يدرك عليا ، واسمه سعيد ، وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي عياض عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقام رجل فقال : في كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، ثم عاد فقال : في كل عام يا رسول الله ؟ فقال : ومن القائل ؟ قالوا : فلان ; قال : والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموها ولو لم تطيقوها لكفرتم فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية ، وقال الحسن البصري في هذه الآية : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور الجاهلية التي عفا الله عنها ولا وجه للسؤال عما عفا الله عنه ، وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ; وهو قول سعيد بن جبير ; وقال : ألا ترى أن بعده : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام .قلت : وفي الصحيح والمسند كفاية . ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض ، والله أعلم . و ( أشياء ) وزنه أفعال ; ولم يصرف لأنه مشبه بحمراء ; قاله الكسائي وقيل : وزنه أفعلاء ; كقولك : هين وأهوناء ; عن الفراء والأخفش ويصغر فيقال : أشياء ; قال المازني : يجب أن يصغر شييآت كما يصغر أصدقاء ; في المؤنث صديقات وفي المذكر صديقون .الثانية : قال ابن عون : سألت نافعا عن قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم فقال : لم تزل المسائل منذ قط تكره . روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال . قال كثير من العلماء : المراد بقوله ( وكثرة السؤال ) التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا ، وتكلفا فيما لم ينزل ، والأغلوطات وتشقيق المولدات ، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكليف ، ويقولون : إذا نزلت النازلة وفق المسئول لها . قال مالك : أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة ، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه ، وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : المراد بكثرة المسائل كثرة سؤال الناس الأموال والحوائج إلحاحا واستكثارا ; وقاله أيضا مالك وقيل : المراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يعني من أحوال الناس بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم . وهذا مثل قوله تعالى : ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا قال ابن خويز منداد : ولذلك قال بعض أصحابنا متى قدم إليه طعام لم يسأل عنه من أين هذا أو عرض عليه شيء يشتريه لم يسأل من أين هو وحمل أمور المسلمين على السلامة والصحة .قلت : والوجه حمل الحديث على عمومه فيتناول جميع تلك الوجوه كلها ، والله أعلم .الثالثة : قال ابن العربي : اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الآية ; وليس كذلك لأن هذه الآية مصرحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه ولا مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا .قلت : قوله : اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح ، وإنما كان الأولى به أن يقول : ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل ، لكنه جرى على عادته ، وإنما قلنا كان أولى به ; لأنه قد كان قوم من السلف يكرهها ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن ; ذكره الدارمي في مسنده ; وذكر عن الزهري قال : بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر : أكان هذا ؟ فإن قالوا : نعم قد كان حدث فيه بالذي يعلم ، وإن قالوا : لم يكن قال فذروه حتى يكون ، وأسند عن عمار بن ياسر وقد سئل عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا ; قال : دعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناها لكم . قال الدارمي : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، قال حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن ابن عباس قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن ; منهن يسألونك عن الشهر الحرام ، ويسألونك عن المحيض وشبهه ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .الرابعة : قال ابن عبد البر : السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله ، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه ، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه ، فلا بأس به ، فشفاء العي السؤال ; ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره ; قال ابن العربي : الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة ، وإيضاح سبل النظر ، وتحصيل مقدمات الاجتهاد ، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد ; فإذا عرضت نازلة أتيت من بابها ، ونشدت في مظانها ، والله يفتح في صوابها .الخامسة : قوله تعالى : وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم فيه غموض ، وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ، ثم قال : وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم فأباحه لهم ; فقيل : المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه ، فحذف المضاف ، ولا يصح حمله على غير الحذف . قال الجرجاني : الكناية في عنها ترجع إلى أشياء أخر ; كقوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين يعني آدم ، ثم قال : ثم جعلناه نطفة أي ابن آدم ; لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال ; فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم ; فقد أباح هذا النوع من السؤال : ومثاله أنه بين عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل ، ولم يجر ذكر عدة التي ليست بذات قرء ولا حامل ، فسألوا عنها فنزل واللائي يئسن من المحيض . فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه ; فأما ما مست الحاجة إليه فلا .السادسة : قوله تعالى : عفا الله عنها أي : عن المسألة التي سلفت منهم ، وقيل : عن الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية وما جرى مجراها ، وقيل : العفو بمعنى الترك ; أي : تركها ولم يعرف بها في حلال ولا حرام فهو معفو عنها فلا تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه ساءكم ، وكان عبيد بن عمير يقول : إن الله أحل وحرم ، فما أحل فاستحلوه ، وما حرم فاجتنبوه ، وترك بين ذلك أشياء لم يحللها ولم يحرمها ، فذلك عفو من الله ، ثم يتلو هذه الآية . وخرج الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها والكلام على هذا التقدير فيه تقديم وتأخير ; أي : لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم ، أي : أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حكما ، وقيل : ليس فيه تقديم ولا تأخير ; بل المعنى قد عفا الله عن مسألتكم التي سلفت وإن كرهها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تعودوا لأمثالها . فقوله : عنها أي : عن المسألة ، أو عن السؤالات كما ذكرناه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْقال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام, امتحانًا له أحيانًا, واستهزاءً أحيانًا. فيقول له بعضهم: " من أبي"؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: " أين ناقتي"؟ فقال لهم تعالى ذكره: لا تسألوا عن أشياءَ من ذلك= كمسألة عبد الله بن حُذافة إياه من أبوه=" إن تبد لكم تسؤكم "، يقول: إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه، ساءكم إبداؤها وإظهارها.وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر الرواية بذلك:12794 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا حفص بن بُغَيل قال ، حدثنا زهير بن معاوية قال ، حدثنا أبو الجويرية قال : قال ابن عباس لأعرابيّ من بني سليم: هل تدري فيما أنزلت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ؟= حتى فرغ من الآية, فقال: كان قوم يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استهزاء, فيقول الرجل: " من أبي"؟ = والرجل تضل ناقته فيقول: " أين ناقتي"؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية. (115)12795 - حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو عامر وأبو داود قالا حدثنا هشام, عن قتادة, عن أنس قال : سأل الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوه بالمسألة، (116) فصعد المنبر ذات يوم, فقال: " لا تسألوني عن شيء إلا بيَّنْتُ لكم! (117) قال أنس: فجعلت أنظر يمينًا وشمالا فأرى كل إنسان لافًّا ثوبَه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحَى يُدعى إلى غير أبيه، (118) فقال: يا رسول الله, من أبي؟ فقال: " أبوك حذافة "! قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وأعوذ بالله من سوء الفتن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم أرَ الشرّ والخيرَ كاليوم قط! (119) إنه صُوِّرت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط ! = وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". (120)12796 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال ، حدثنا روح بن عبادة قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرني موسى بن أنس قال ، سمعت أنسًا يقول، قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: " أبوك فلان "! قال: فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". (121)12797- حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، قال: فحدَّثنا أن أنس بن مالك حدَّثهم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفَوْه بالمسألة, فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال: " لا تسألوني اليومَ عن شيء إلا بينته لكم! فأشفقَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر, فجعلتُ لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كُلا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجلٌ كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه, فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال: " أبوك حذافة "! قال: ثم قام عمر = (122) أو قال: فأنشأ عمر = فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا عائذًا بالله = أو قال: أعوذ بالله = من سوء الفتن! قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر في الخير والشر كاليوم قط, صُوِّرت لي الجنة والنارُ حتى رأيتهما دون الحائط. (123)12798 - حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع قالا حدثنا معاذ بن معاذ قال ، حدثنا ابن عون، قال : سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله: " ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، قال: ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به! قال: فقام رجل, فكره المسلمون مَقامه يومئذ, فقال: يا رسول الله ، من أبي؟ قال: أبوك حذافة، قال: فنزلت هذه الآية. (124)12799 - حدثنا الحسين بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه قال: نزلت: " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، في رجل قال: يا رسول الله ، من أبي؟ قال: أبوك فلان.12800- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني سفيان, عن معمر, عن قتادة قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه, فقام مغضبًا خطيبًا فقال: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي إلا حدثتكم! فقام رجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة. واشتدّ غضبه وقال: سلوني! فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم, فجثا عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربًّا= قال معمر، قال الزهري، قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر على ركبتيه= (125) فقال: رضينا بالله ربًّا= وبالإسلام دينًا= وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفسي بيده, لقد صُوِّرت لي الجنةُ والنارُ آنفًا في عرض هذا الحائط, فلم أر كاليوم في الخير والشر= قال الزهري، فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدًا أعقّ منك قط! أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارفَ أهلُ الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس!! فقال: والله لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقتُه. (126)12801 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام، فقام خطيبًا فقال: سلوني، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا نبأتكم به! فقام إليه رجل من قريش، من بني سهم، يقال له " عبد الله بن حذافة "، وكان يُطْعن فيه، قال : فقال: يا رسول الله ، من أبي؟ قال: أبوك فلان! فدعاه لأبيه. فقام إليه عمر فقبَّل رجله وقال: يا رسولَ الله, رضينا بالله ربًّا, وبك نبيًّا, وبالإسلام دينًا, وبالقرآن إمامًا, فاعف عنا عفا الله عنك! فلم يزل به حتى رَضِيَ, فيومئذ قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر ". (127)12802 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس, عن أبي حصين, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارٌّ وجهه! حتى جلس على المنبر, فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: في النار، فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة ! فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربًّا, وبالإسلام دينًا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا, وبالقرآن إمامًا, إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشِرْك, والله يعلمُ من آباؤنا! قال: فسكن غضبه, ونزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". (128)* * *وقال آخرون: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر الحجّ.* ذكر من قال ذلك:12803 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا منصور بن وردان الأسدي قال، حدثنا علي بن عبد الأعلى قال ، لما نزلت هذه الآية: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا سورة آل عمران :97]، قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت. ثم قالوا: أفي كل عام؟ فسكت. ثم قال: لا ولو قلت: " نعم " لوجبت "! فأنزل الله هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". (129)12804 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن إبراهيم بن مسلم الهجري, عن ابن عياض, عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،" إن الله كتب عليكم الحج! فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه, حتى عاد مرتين أو ثلاثًا، فقال: من السائل؟ فقال: فلان! فقال: والذي نفسي بيده، لو قلت " نعم " لوجبت, ولو وجبت عليكم ما أطقتموه, ولو تركتموه لكفرتم! فأنزل الله هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، حتى ختم الآية. (130)12805 - حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال ، سمعت أبي قال ، أخبرنا الحسين بن واقد, عن محمد بن زياد قال ، سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس, كتب الله عليكم الحج. فقام مِحْصن الأسدي فقال: أفي كل عام، يا رسول الله؟ فقال: " أمَا إنّي لو قلت " نعم " لوجبت, ولو وجبت ثم تركتم لضللتم، اسكتوا عنى ما سكتُّ عنكم, فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم! فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، إلى آخر الآية. (131)12806- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين بن واقد, عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم= فذكر مثله, إلا أنه قام: فقام عُكَّاشة بن محصن الأسدي. (132)12807 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر قال ، حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى, عن صفوان بن عمرو قال ، حدثني سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: كتب عليكم الحج!" فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام؟ قال: فغَلِقَ كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسكتَ (133) واستغضب، (134) فمكث طويلا ثم تكلم فقال: من السائل؟ فقال الأعرابي: أنا ذا! فقال: ويحك! ماذا يُؤْمِنك أن قول " نعم ", ولو قلت " نعم " لوجبت, ولو وجبت لكفرتم! ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحَرَج، (135) والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرَّمت عليكم منها موضع خُفٍّ، لوقعتم فيه! قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء "، إلى آخر الآية. (136)12808 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، وذلك أن رسول الله أذّن في الناس فقال: " يا قوم, كتب عليكم الحجّ!" فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله, أفي كل عام؟ فأغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا, فقال: والذي نفس محمد بيده، لو قلت " نعم " لوجبت, ولو وجبت ما استطعتم, وإذًا لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم, فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا, وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه! فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة, فأصبحوا بها كافرين. فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك, ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تِبيانه. (137)12809 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح قال ، حدثنا علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم "، قال: لما أنزلت آية الحج, نادى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: يا أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحُجُّوا. فقالوا: يا رسول الله, أعامًا واحدًا أم كل عام؟، فقال: لا بل عامًا واحدًا, ولو قلت " كل عام "، لوجبت, ولو وجبت لكفرتم. ثم قال الله تعالى ذكره: (138) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ، قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، فوعظهم فانتهوا.12810- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج, فقيل: أواجب هو يا رسول الله كل عام؟ قال: لا لو قلتها لوجبت, ولو وجبت ما أطقتم, ولو لم تطيقوا لكفرتم. ثم قال: سلوني، فلا يسألني رجل في مجلسي هذا عن شيء إلا أخبرته, وإن سألني عن أبيه! فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة بن قيس. فقام عمر فقال: يا رسول، رضينا بالله ربًّا, وبالإسلام دينًا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا, ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.* * *وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوَصيلة والحامي.* ذكر من قال ذلك:12811- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس " لا تسألوا عن أشياء "، قال: هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: " ما جعل الله من كذا ولا كذا؟ (139) = قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الآيات، فنهوا عن ذلك. ثم فال: " قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " . قال: فقلت قد حدثني مجاهد بخلاف هذا عن ابن عباس, فما لك تقول هذا؟ فقال: هَيْهَ. (140)12812- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون, عن ابن عون, عن عكرمة قال : هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبي= وقال سعيد بن جبير: هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: نزلت هذه الآية من أجل إكثار السائلين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم المسائلَ, كمسألة ابن حذافة إياه مَن أبوه, ومسألة سائله إذ قال: " الله فرض عليكم الحج "، أفي كل عام؟ وما أشبه ذلك من المسائل, لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل.وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس, فقولٌ غير بعيد من الصواب, ولكنْ الأخبارُ المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه, وكرهنا القولَ به من أجل ذلك. على أنه غير مستنكر أن تكون المسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها, كما كره الله لهم المسألة عن الحج: " أكل عام هو، أم عامًا واحدًا "؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه, فنزلت الآية بالنهي عن المسائل كلِّها, فأخبرَ كل مخبر منهم ببعض ما نزلت الآية من أجله، وأجل غيره. (141) وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة, لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذُكرت صحاحٌ, فتوجيهها إلى الصواب من وجوهها أولى.* * *القول في تأويل قوله : وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه, من فرائض لم يفرضها الله عليهم, وتحليل أمور لهم يحلّلها لهم, وتحريم أشياء لم يحرِّمها عليهم قبلَ نزول القرآن بذلك: أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتابًا ولا وحيًا, لا تسألوا عنه, فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيانٌ بوحي وتنزيل ساءكم، لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم إنما يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم, إما بإيجاب عمل عليكم, ولزوم فرض لكم, وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤونة وكلفة= وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي، كنتم من التقدم عليه في فُسْحة وسَعة= وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه, وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقًّا إلى ما كنتم ترونه باطلا ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها، وبعد ابتدائكم ببيان أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم، (142) ليسَّر عليكم ما أنزلته إليه من بيان كتابي، وتأويل تنزيلي ووحيي (143)وذلك نظير الخبر الذي روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي:-12813 - حدثنا به هناد بن السري قال ، حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبي هند, عن مكحول, عن أبي ثعلبة الخشني قال : إن الله تعالى ذكره فرَض فرائض فلا تضيِّعوها, ونهى عن أشياء فلا تَنْتَهِكوها, وحدّ حدودًا فلا تعتدوها, وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها. (144)12814 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء قال : كان عبيد بن عمير يقول: إن الله تعالى أحلّ وحرَّم, فما أحلّ فاستحلُّوه، وما حرَّم فاجتنبوه, وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله عفاه. ثم يتلو: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " .12815- حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا الضحاك قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني عطاء, عن عبيد بن عمير أنه كان يقول: إنّ الله حرّم وأحلَّ, ثم ذكر نحوه.* * *وأما قوله: " عفا الله عنها " فإنه يعني به: عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها, أن يؤاخذكم بها, أو يعاقبكم عليها, إن عرف منها توبتكم وإنابتكم (145) =" والله غفورٌ" ، يقول: والله ساتر ذنوب من تاب منها, فتارك أن يفضحه في الآخرة =" حليم " [ذو أناة عن ] أن يعاقبه بها، لتغمده التائبَ منها برحمته، وعفوه, عن عقوبته عليها. (146)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفًا. وذلك ما:-12816 - حدثني به محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " لا تسألوا عن أشياء " ، يقول: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك, ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه. (147)-------------------الهوامش :(115) الأثر: 12794-"حفص بن بغيل الهمداني المرهبي" ، ثقة مضى برقم: 9639 ، وكان في المطبوعة هنا"بعض بني نفيل" ، وفي المخطوطة: "بعض بن نفيل" ، وكله خطأ ، وكذلك جاء خطأ في فتح الباري"حفص بن نفيل" بالفاء ، وهو"بغيل" بالغين ، على التصغير.و"زهير بن معاوية الجعفي" ، هو"أبو خيثمة". ثقة ثبت ، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 2144 ، 2222.و"أبو الجويرية" هو"حطان بن خفاف بن زهير بن عبد الله بن رمح بن عرعرة الجعفي" ، روى عن ابن عباس. ثقة ، قال ابن عبد البر: "أجمعوا على أنه ثقة". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1109 ، وابن أبي حاتم 1/2/304.وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 212) من طريق الفضل بن سهل ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن أبي خيثمة زهير بن معاوية ، عن أبي الجويرية ، بنحوه. وأشار إلى إسناد أبي جعفر ، الحافظ ابن حجر في شرح الحديث. وقال ابن كثير في تفسيره 3: 250 ، وذكر حديث البخاري: "تفرد به البخاري".وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه.(116) "أحفاه بالمسألة" و"أحفى السؤال": ألح عليه ، وأكثر الطلب واستقصى في السؤال.(117) في المطبوعة: "إلا بينته" بالضمير كما في صحيح مسلم وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب أيضا.(118) يقال: "أنشأ فلان يفعل كذا" أي: أقبل يفعل أو ابتدأ يفعل وهو هنا في هذا الموضع والذي يليه ، أحسنه أن يفسر: "أقبل"= و"لاحى الرجل أخاه": إذا نازعه وسابه وشاتمه.(119) في المطبوعة: "لم أر في الشر والخير" بزيادة"في" كما في مسلم: "لم أر كاليوم قط في الخير والشر" واتبعت المخطوطة فحذفت"في".(120) الأثر: 12795-"أبو عامر" هو العقدي: "عبد الملك بن عمرو القيسي" ، ثقة مأمون ، مضى مرارا كثيرة جدا.و"أبو داود" هو الطيالسي.و"هشام" هو الدستوائي.وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه من طرق (15: 114 ، 115) ، من طريق: يوسف ابن حماد المعنى ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، ثم أشار إلى روايته من طريق يحيى بن حبيب الحارثي ، عن خالد بن الحارث ، عن هشام= ومن طريق محمد بن بشار ، عن محمد ابن أبي عدي ، عن هشام. وهو مثل طريق أبي جعفر. وسيأتي أيضًا برقم: 12797. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334 ، واقتصر على نسبته لابن جرير ، وابن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وقصر فلم ينسبه إلى صحيح مسلم.(121) الأثر: 12796="محمد بن معمر بن ربعي القيسي البحراني" ، شيخ الطبري روى عنه أصحاب الكتب الستة ، ومضى برقم: 241 ، 3056 ، 5393.و"روح بن عبادة القيسي" ، مضى برقم: 3015 ، 3355 ، 3912.و"موسى بن أنس بن مالك الأنصاري" ، تابعي ثقة قليل الحديث ، مضى برقم: 11475.وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه من طريقين عن شعبة ، من طريق منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، عن أبيه ، عن شعبة (الفتح 8: 210- 212) مطولا ، وأشار بعده إلى رواية النضر ، وروح بن عبادة ، عن شعبة= ثم رواه من طريق محمد بن عبد الرحيم ، عن روح ، عن شعبة ، مختصرًا كالذي هنا (الفتح 13: 230) وخرجه الحافظ ابن حجر في الموضعين.ورواه مسلم في صحيحه (15: 112) ، من طريق محمد بن معمر ، بمثل رواية أبي جعفر.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334 ، وزاد نسبته إلى الترمذي ، والنسائي ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.(122) في المطبوعة: "ثم قال عمر" غير ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(123) الأثر: 12797- هو مكرر الأثر رقم: 12795 بنحو لفظه ورواه أبو جعفر هنا من طريق سعيد عن قتادة وهي طريق مسلم التي رواها في صحيحه ، كما أشرت إليه في تخريج الخبر رقم: 12795.(124) الأثر: 12798-"أحمد بن هشام" شيخ أبي جعفر ، لم أستطع أن أحدد من يكون ، وهناك: "أحمد بن هشام بن بهرام" ، "أبو عبد الله المدائني" مترجم في تاريخ بغداد 5: 197.و"أحمد بن هشام بن حميد" ، "أبو بكر المصري" ، سكن البصرة ، وحدث بها. مترجم أيضًا في تاريخ بغداد 5: 198.وأما "معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري" ، "أبو المثنى" ، الحافظ البصري ، فقد سلف برقم: 10482.(125) هذه إشارة من سفيان إلى رواية يونس عن الزهري ورواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: "برك عمر "أو" فبرك عمر على ركبتيه" كما في مسلم 15: 113 ، والبخاري (الفتح 13: 230).(126) الأثر: 12800- هذا الخبر من رواية سفيان ، عن معمر ، عن قتادة عن أنس= ومن روايته عن معمر ، عن الزهري ، عن أنس. وأخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 13: 230) من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، وأخرجه مسلم في صحيحه (15: 112) من يونس ، عن الزهري ، ثم أشار في (15 : 114) إلى طريق عبد الرازق ، عن معمر. أما خبر طريق قتادة ، عن أنس ، فقد مضى برقم: 12795 ، 12797.•وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 249.(127) الأثر: 12801- روى الحاكم في المستدرك 3: 631 من طريق نعيم بن حماد عن هشيم عن سيار عن أبي وائل:"أن عبد الله بن حذافة بن قيس قال: يا رسول الله ، من أبي؟ قال: أبُوك حُذافة ، الولد للفراش وللعَاهر الحجَرُ. قال: لو دعوتتي لحبشيٍّ لاتبعته! فقالت له أُمُّه: لقد عَرَّضتني! فقال: إنِّي أردتُ أن أستريح!".(128) الأثر: 12802-"الحارث" هو"الحارث بن أبي أسامة" منسوبًا إلى جده ، وهو"الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي" ، مضت ترجمته برقم: 10295.و"عبد العزيز" هو"عبد العزيز بن أبان الأموي" ، من مولد سعيد بن العاص ، كان كذابًا يضع الأحاديث ، وذمه يطول. ومضى برقم: 10295.و"قيس" هو"قيس بن الربيع الأسدي" ، وهو ثقة ، ولكنهم ضعفوه ، ومضى أيضًا برقم 10295.و"أبو حصين" هو"عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي" ، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 642 643 ، 8961 ، 8962.و"أبو صالح" هو"ذكوان السمان" ، من أجل الناس وأوثقهم. سلف مرارًا.وإسناد هذا الخبر إلى"قيس بن الربيع" ، إسناد هالك ، ولكن ابن كثير في تفسيره 2: 249 ، ساقه عن هذا الموضع من الطبري ثم قال: "إسناده جيد" ، وكيف ، وفيه"عبد العزيز بن أبان"؟وذكر هذا الخبر ، الجصاص في أحكام القرآن 2: 483 ، يقول: "روى قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي هريرة" ، ولم يذكر إسناده.(129) الأثر: 12803-"منصور بن وردان الأسدي" العطار الكوفي ، شيخ أحمد. روى عن فطر بن خليفة ، وعلي بن عبد الأعلى. ذكره ابن حبان في الثقات ، ووثقه أحمد. وقال ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه". مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/347 ، وابن أبي حاتم 4/1/180."على بن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي" ، أبو الحسن الأحول. وثقه البخاري والترمذي ، وقال الدارقطني: "ليس بالقوي" مترجم ، في التهذيب.وهذا الخبر ، رواه أحمد في المسند رقم 905 ، من طريق منصور بن وردان الأسدي ، عن علي بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن أبي البختري ، عن علي قال ، بمثل ما في رواية أبي جعفر غير موصولة.ورواه الترمذي في كتاب التفسير عن أبي سعيد ، عن منصور بن وردان ، بإسناده بمثل رواية أحمد ، وقال: "هذا حديث حسن غريب من حديث علي".ورواه الحاكم في المستدرك 2: 293 ، 294 ، من طريق أحمد بن موسى بن إسحق التميمي ، عن مخول بن إبراهيم النهدي ، عن منصور بن وردان. ولم يقل فيه الحاكم شيئًا ، وقال الذهبي في تعليقه: "مخول: رافضي ، = وعبد الأعلى ، هو ابن عامر ، ضعفه أحمد".ورواه ابن ماجه في السنن رقم: 2884 من طريق محمد بن عبد الله بن نمير ، وعلي بن محمد ، عن منصور بن وردان ، بمثله.وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 195/3: 250 ، وذكر خبر الترمذي وما قاله ثم قال: "وفيما قال نظر. لأن البخاري قال: لم يسمع أبو البختري من علي".و"قال أخي السيد أحمد في شرح المسند (رقم: 905): "إسناده ضعيف ، لانقطاعه ، ولضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي".(130) الأثر: 12804-"عبد الرحيم بن سليمان الطائي الرازي" ، الأشل. ثقة مضى برقم: 2028 ، 2030 ، 2254 ، 8156 ، 8157 ، 8161. وكان في المطبوعة والمخطوطة"عبد الرحمن بن سليمان" ، والصواب من تفسير ابن كثير.و"إبراهيم بن مسلم الهجري" ضعيف ، لين الحديث ، مترجم في الكبير للبخاري 1/1/326 ، وضعفه ، وابن أبي حاتم 1/1/131 ، وميزان الاعتدال للذهبي 1: 31.و"أبو عياض" هو: "عمرو بن الأسود العنسي" ، ويقال: "عمير بن الأسود" ، ثقة ، مضى برقم: 11255. وكان في المطبوعة: "ابن عياض" ، والصواب من المخطوطة.وهذا خبر ضعيف إسناده ، لضعف"إبراهيم بن مسلم الهجري".ذكره الجصاص في أحكام القرآن 2: 483 ونقله ابن كثير في تفسيره عن هذا الموضع 3: 250.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335 ، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن مردويه.(131) الأثر: 12805-"محمد بن علي بن الحسن بن شقيق العبدي" ثقة ، مضى برقم: 1591 ، 2575 ، 9951.وأبوه "علي بن الحسن بن شقيق" ثقة أيضًا مضى برقم: 1591 ، 2575.وكان في المطبوعة والمخطوطة: "بن الحسين بن شقيق" ، وهو خطأ.و"الحسين بن واقد المروزي" ، ثقة ، مضى برقم: 4810 ، 6311.و"محمد بن زياد القرشي الجمحي" أبو الحارث ، روى له أصحاب الكتب الستة ، روى عن أبي هريرة وعائشة ، وعبد الله بن الزبير. مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/82 ، وابن أبي حاتم 3/2/257.وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده مختصرًا ومطولا. رواه مختصرًا من طريق محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، وليس فيه ذكر الحج ، ولا السؤال ، ولا ذكر السائل ، في المسند 2: 447 ، 448 ، من طريق وكيع ، عن حماد ، عن محمد بن زياد. ثم رواه: 2: 467 ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد.ثم رواه مطولا فيه ذكر الحج ، والسؤال عنه ، والسائل"رجل" ، لم يبين في الخبر اسمه (2: 508) من طريق يزيد بن هرون ، عن الربيع بن مسلم القرشي ، عن محمد بن زياد ، وليس فيه ذكر الآية ونزولها.ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه (9: 100) ، عن زهير بن حرب ، عن يزيد بن هرون بمثله.ورواه البخاري مختصرًا أيضًا (الفتح 13: 219- 224) من طريق إسمعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة.ورواه البيهقي في السنن الكبرى 4: 325 ، 326 من طريق عبيد الله بن موسى ، عن الربيع بن مسلم القرشي ، ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن يزيد بن هرون.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335 ، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ ، وابن مردويه ، بمثل رواية أبي جعفر هنا.وفي جميع ذلك جاء"فقال رجل" ، مبهمًا ليس فيه التصريح باسمه ، وقال النووي في شرحه على مسلم (9: 101): "هذا الرجل هو الأقرع بن حابس ، كذا جاء مبينًا في غير هذه الرواية والرواية التي جاء فيها مبينا هي من حديث ابن عباس ، وفيها: "فقام الأقرع بن حابس فقال" ، رواها أحمد في مسنده من طرق عن ابن شهاب الزهري ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس ، وهي رقم: 2304 ، 2642 ، 3303 ، 3510 ، 3520 وكذلك رواها البيهقي في السنن الكبرى 4: 326.وقد أشار الحافظ ابن حجر في الفتح (13: 220) إلى حديث مسلم ، وما فيه من زيادة السؤال عن الحج ، ثم قال: "وأخرجه الدارقطني مختصرًا وزاد فيه"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"= وله شاهد عن ابن عباس ، عند الطبري في التفسير". قلت: يعني الأثر السالف رقم: 12794 ، لا هذا الأثر. ولم يشر الحافظ إلى خبر الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد.وقد اختلف على"الحسين بن واقد" في اسم الرجل الذي سأل ، فجاء في هذا الخبر"محصن الأسدي" ، وفي الذي يليه"عكاشة بن محصن الأسدي" ، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره 3: 250 ، 251 ، الخبر السالف رقم 12804 ، ثم قال: "ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة وقال: فقام محصن الأسدي ، وفي رواية من هذا الطريق: عكاشة بن محصن ، وهو أشبه" ، ولم يزد على ذلك.وهذا اختلاف في اسم الرجل"الأقرع بن حابس" ، أو "عكاشة بن محصن الأسدي" ، وأوثقهما أن يكون"الأقرع بن حابس" ، فإنها جاءت بأسانيد صحاح لا شك في صحتها. أما علة ما جاء في رواية أبي جعفر ، فذلك أن"الحسين بن واقد المروزي" ، ثقة ، قال النسائي: "لا بأس به" ووثقه ابن معين. ولكن قال ابن حبان: "من خيار الناس ، وربما أخطأ في الروايات" ، وقال أحمد: "في أحاديثه زيادة ، ما أدري أي شيء هي! ونفض يده" ، وقال الساجي: "فيه نظر ، وهو صدوق ، يهم".و"رواية الثقات الحفاظ عن"محمد بن زياد ، عن أبي هريرة" ، لم يذكر فيها"عكاشة ابن محصن" ، ولم يبين الرجل ، ولكن الحسين بن واقد ، رواه عن محمد بن زياد ، فبين الرجل ، وخالف البيان الذي روي من طرق صحاح عن ابن عباس أنه"الأقرع بن حابس" ، فهذا من فعل"الحسين بن واقد" ، ييد ما قاله أحمد وغيره: أن في أحاديثه زيادة لا يدري أي شيء هي! وكتبه محمود محمد شاكر.(132) الأثر: 12806- هو مكرر الأثر السالف ، وقد ذكرت القول فيه هناك.(133) في المطبوعة وابن كثير: "فعلا كلام رسول الله" ، وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة"فعلن" كأن آخرها"نون" وهي غير منقوطة. وفي مجمع الزوائد: "فعلق" بالعين المهملة ، وأرجح أن الصواب ما أثبته. يقال: "غلق فلان ، في حدته" (بفتح الغين وكسر اللام) أي: نشب ، قال شمر: "يقال لكل شيء نشب في شيء فلزمه: قد غلق" ، ومنه: "استغلق الرجل": إذا ارتج عليه ولم يتكلم ، يعني أنه انقطع كلامه. فكأن هذا هو الصواب إن شاء الله.وقوله بعد: "وأسكت" (بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الكاف) بالبناء للمعلوم فعل لازم ، بمعنى سكت. قال اللحياني: "يقال تكلم الرجل ثم سكت -بغير ألف- فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل: "أسكت" ، وقيل": "أسكت" أطرق ، من فكرة أو داء أو فرق. وفسروا الخبر أنه: "أعرض ولم يتكلم". وبعض الخبر في اللسان (سكت).(134) في المطبوعة وابن كثير زيادة: "وأغضب واستغضب" ، لا أدري من أين جاءا بها. وليست"وأغضب" في المخطوطة. وقوله: "واستغضب" ضبطت في المخطوطة بفتحة على الضاد ، وكذلك ضبطت في لسان العرب (سكت) ولم يذكر أصحاب اللغة: "استغضب" لازمًا ، بل ذكروا"غضب" و"أغضبته فتغضبب" ، ولكن ما جاء هنا له شاهد من قياس اللغة لا يرد. فهذا مما يزاد على نص المعاجم. ولو قرئ: "استغضب" بالبناء للمجهول ، لكان جيدًا أيضًا وهو قياس محض"استغضب ، فغضب".(135) قوله: "أئمة الحرج" ، يعني الذين يبتدئون السؤال عن أشياء ، تحرم على الناس من أجل سؤالهم ، فهم كالأئمة الذين تقدموا الناس ، فألزموهم الحرج. و"الحرج" أضيق الضيق.(136) الأثر: 12807-"زكريا بن يحيى بن أبان المصري" ، روى عنه أبو جعفر آنفًا رقم: 5973 ، وقال أخي السيد أحمد هناك: "لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب" ، وصدق ، لم يرد اسمه مبينًا كما جاء هنا وهناك. ولكن قد روى عنه أبو جعفر في مواضع من تاريخه 1: 39 قال: "حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا ابن عفير" ، ثم روى عنه في المنتخب من كتاب"ذيل المذيل" (13: 39): "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري ، قال ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث" ، ثم في (13: 63): "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري قال ، حدثنا أحمد بن أشكاب" ثم في (13: 109): "حدثني زكرياء بن يحيى قال ، حدثنا أحمد بن يونس" فالذين حدث عنهم كلهم مصريون.وأخشى أن يكون هو"زكريا بن يحيى الوقار المصري" ، "أبو يحيى" مترجم في لسان الميزان 2: 485 ، وابن أبي حاتم 1/2/601 وميزان الاعتدال 1: 350 ، روى عن عبد الله بن وهب المصري فمن بعده ، وعن زكريا بن يحيى الأدم المصري ، والقاسم بن كثير المصري. وولد زكريا بن يحيى الوقار سنة 174 ، ومات سنة 254 ، فهو مظنة أن يروى عنه أبو جعفر ، كان من الصلحاء العباد الفقهاء ، ولكن قال ابن عدي: "يضع الحديث ، كذبه صالح جزرة. قال صالح: حدثنا زكريا الوقار ، وكان من الكذابين الكبار". وقال أيضًا: "رأيت مشايخ مصر يثنون على أبي يحيى في العبادة والاجتهاد والفضل ، وله حديث كثير ، بعضه مستقيم ، وبعضه موضوعات وكان هو يتهم بوضعها ، لأنه يروى عن قوم ثقات أحاديث موضوعة. والصالحون قد رسموا بهذا: أن يرووا أحاديث موضوعة ، ويتهم جماعة منهم بوضعها".وأما "أبو زيد": "عبد الرحمن بن أبي الغمر" ، المصري الفقيه من شيوخ البخاري روى عنه خارج الصحيح ، مضى برقم: 4329. وفي المطبوعة: "بن أبي العمر" بالعين المهملة وهو خطأ.و"أبو مطيع": "معاوية بن يحيى الشامي الأطرابلسي" ، ثقة ، وقال ابن معين: "ليس بذاك القوي" ، وقال الدارقطني: "ضعيف". مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/336 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 4/1/384 ، ووثقه أبو زرعة.و"صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، ثقة مضى برقم: 7009.و"سليم بن عامر الكلاعي ، الخبائري" ، ثقة روى عن أبي أمامة ، وغيره من الصحابة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2/2/126 ، وابن أبي حاتم 2/1/211.وهذا الخبر خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 3: 204 وقال: "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن جيد".ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 251 عن هذا الموضع من التفسير ، وقال: "في إسناده ضعف" ، وكأن علة ضعفه عنده ، هو"زكريا بن يحيى بن أبان المصري" ، وفي إسناده في ابن كثير خطأ ، كتب"عبد العزيز بن أبي الغمر" ، وهو خطأ محض.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335 ، وزاد نسبته لابن مردويه. ثم انظر ما ختم به أبو جعفر فصله هذا ص: 112 ، أن مخرج هذا الأخبار صحاح عنده.(137) الأثر: 12808- قد بين أخي السيد أحمد في الخبر رقم: 305 ، ضعف هذا الإسناد الدائر في التفسير وقال: "هو إسناد مسلسل بالضعف من أسرة واحدة" ثم شرح الإسناد شرحًا مفصلا.(138) في المطبوعة أسقط"ثم" وهي لا غنى عنها في هذا الموضع وهي ثابتة في المخطوطة.(139) القائل هو"خصيف".(140) قوله: "هيه" هنا بفتح الهاء وسكون الياء وفتح الهاء الآخرة. يقال ذلك للشيء ينحى ويطرد. وأما "هيه" (بكسر الهاء الأولى وكسر الآخرة أو فتحها) فهي مثل"إيه" ، تقال أمرًا للرجل ، تستزيده من الحديث المعهود بينكما. وإشارة عكرمة بالطرد والتنحية ، لما كان بين مجاهد وعكرمة وانظر ما سلف من سوء رأي مجاهد في عكرمة في التعليق على رقم: 10445 ، 10469.(141) في المطبوعة: "أو أجل غيره" ، استجلب "أو" مكان"واو" العطف ، فأفسد الكلام إفسادًا.(142) في المطبوعة: "وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي" ، وهو كلام بلا معنى ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لا فيها: "سان" غير منقوطة ، فقرأها خلطأً.(143) في المطبوعة"بين لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي" ، وهي أيضًا كلام بلا معنى ، وكان في المخطوطة هكذا"لسس عليكم ما أنزلته إليه من اساي كتابي" ، وصواب قراءتها إن شاء الله هو ما أثبت.(144) الأثر: 12813- هذا الخبر ، رواه أبو جعفر موقوفًا على أبي ثعلبة الخشني ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 336 مرفوعًا ، ونسبه لابن المنذر ، والحاكم وصححه. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 252 فقال: "وفي الحديث الصحيح أيضًا" ، ولم أستطع أن أجده في المستدرك ، أو غيره من الكتب الصحاح.(145) في المطبوعة والمخطوطة: "إن عرف" ، والسياق يقتضي: "إذ".(146) انظر تفسير"غفور" فيما سلف من فهارس اللغة= وتفسير"حليم" فيما سلف 5: 117 ، 521/ 7: 327 وزدت ما بين القوسين من تفسير أبي جعفر السالف ، فإن الكلام بغير ذلك أو شبهه غير مستقيم كل الاستقامة.(147) الأثر: 12816- هو بعض الأثر السالف رقم: 12808.
﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينـزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ﴾